توفي والدي رحمه الله وقد تجاوز التسعين من عمره ببضع سنين وكان يتمتع بصحة جيدة وذاكرة حديدة الى أن توفاه الله ولكنه كان كفيف البصر منذ شبابه وسبب له المرض الذي فقد بصره بسببه آلام لاتطاق لعدة سنوات مما شل حركته وأعاق نشاطه عانى كثيرا في حياته توفي له من الابناء سته وكان أولهم ابنه البكر بعد ان أكمل من العمر ثلاث سنوات وقد أدركت أنا اثنين منهم أما البقيه فقد توفاهم الله قبل ولادتي وما خفف عليه حرمانه نعمة البصر ومصائب فقدانه لأبناءه هو انه كان مؤمن بقضاء الله وقدره فقد كان قلبه متعلق بربه ثم بالمساجد الى حد كبير لا تفوته صلاة واحد في المسجد حتى لو اشتد عليه المرض يتحامل على نفسه ويذهب للمسجد يكون متواجدا فيه قبل وقت الصلاة بما لايقل عن ساعه أو أكثر, ينام بعد صلاة العشاء مباشرة ويصحو في الثلث الاخير من الليل يقضيه قائما مصلياً الى قبل اذان الفجر بساعة أو ساعتين ثم يذهب الى المسجد متلمساً طريقه الذي حفظ تفاصيله الى ان يصل لروضته التي لا يرضى ان يسبقه أحدا اليها .</STRONG>
كان يذكر الله في كل وقت </STRONG>قائما وجالساً راكبا وماشياً, الدنيا لاتساوي عنده جناح بعوضة ولم يكن يلقي لها بال, رفض جميع محاولاتنا لاقناعه بان نقوم بمحاوله لعلاج عيونه في مستشفى الملك خالد التخصصي للعيون لعل الله أن يكتب ويعود له بصره من جديد ولم يقتنع بذلك الا بعد ثلاث سنوات من المحاولات الفاشلة ولكن للأسف لم يكن هناك أمل في شفاءه بعد أن ذكر الطبيب لنا ذلك .</STRONG>
تعرض لعدة حوادث أثناء ذهابه وعودته من المسجد والحمد لله كانت عبارة عن كدمات ورضوض, قد نكون مقصرين بعض الاحيان في متابعته قبل أن يذهب الى المسجد وبحكم اعمالنا ايضاً لانستطيع متابعته في كل تحركاته ومايزيد الطين بلة انه يذهب الى المسجد دون ان يطلب من احد ايصاله له لايرضى ان يستعين بأحد كان يعتمد على نفسه في كل شي.
</STRONG>
قبل عدة سنوات زاره مجموعة من الشباب المتدينين الذين أحبوه في الله وهم لايعرفونه ولا يعرفهم فذكر له أحدهم أن أحد الصحابة لم تفته تكبيرة الاحرام أربعين سنة وسأل والدي كم سنة لم تفتك تكبيرة الاحرام؟
فرد عليه نحن لن نصل الى ربع ماوصل اليه الصحابة.
فأصر السائل على أن يجيبه على سؤاله.
فقال له على ماذكر اني خلال السبعين السنه الاخيره لم يأت المؤذن قبلي للمسجد.</STRONG>
اي انه خلال السبعون سنه الاخيرة من عمره التي يذكرها وقد تكون اكثر من ذلك كان يحضر للمسجد قبل المؤذن وبالتالي لم تفته تكبيرة الاحرام سبعين سنه متواصله.</STRONG>
ذكر لي قبل عدة سنوات انه رأى في المنام وهو يسير في الشارع مجموعة كبيره من الناس تتجمع امام احد البيوت فسأل احد الواقفين عن سبب هذا الزحام فقال له ان الرسول صلى الله عليه وسلم موجود داخل هذا البيت والناس حضرت لتسلم عليه فقرر ان يدخل ويسلم عليه معهم وبعد أن دخل الى المجلس الذي يتواجد فيه الرسول كان عليه الصلاة والسلام واقفاً أمامه مباشرة وبعدأن همّ ليتقدم ليسلم عليه تقدم شخص آخر من خلفه ليسبقه بالسلام ثم توقف والدي في مكانه وبعد ان وصل الرجل الى الرسول قام الرسول عليه الصلاة والسلام بوضع يده على صدر هذا الرجل ودفعه للخلف ثم تقدم الى والدي وتوقف أمامه ثم قام عليه الصلاة والسلام باخراج ورقه من جيبه ووضعها في جيب والدي وسأله ماهذ الورقه التي وضعتها في جيبي فرد عليه الرسول قائلا اتركها معك فسوف يأتي يوم تحتاجها فيه.</STRONG>
سألت كثيرا عن هذه الرؤيا ولم اجد جوابا شافياً لها</STRONG>
حتى عرضتها على الاخ لي جزاه الله خير وفسرها لي </STRONG>
الاخ جلس مايقارب الشهرين حتى استطاع ان يجيبني على تفسير هذه الرؤيا</STRONG>
فقد قام بعد شهر بتفسير الشق الاول من الرؤيا ولم يستطع تفسير الشق الثاني وطلب مني مهله وكان متحمساً جداً لهذه الرؤيا وقد طلب مني الاجابه على بعض استفساراته</STRONG>
وبعد شهر اخر فسر لي الجزء الثاني من الرؤيا</STRONG>
وهي ان الرجل الذي تقدم ليسبق والدي ثم دفعه الرسول وتقدم لولدي فسرها بأن احد اقاربي سيصاب بمرض خطير او ماشابه الى درجة ان الجميع يتوقعون موته في اي لحظه ثم يشفى هذا المريض فجأة ويتوفى والدي وهو بكامل صحته, وهذا ماحدث بالفعل فقد مرض قريب لنا مرض اقعده الفراش عدة اشهر الى درجه انهم يقومون بنقله في بطانية الى المستشفى ثم في يوم من الايام شُوفي فجأة وكأنه لم يصيبه شي وبعد ذلك بثلاثة اسابيع توفي والدي فجأة وهو يتمتع بكامل صحته رحمه الله.</STRONG>
اما تفسير الشق الثاني من الرؤيا فكانت الورقه التي وضعها الرسول عليه الصلاة والسلام في جيب والدي وطلب منه ان يتركها معها لأنه سيحتاجها في يوم من الايام.</STRONG>
فقد فسرها لي الاخ ان هذا عمله الصالح وسينفعه يوم القيامه.</STRONG>
ارجع الى عنوان موضوعي وسبب فرحتي بوفاة والدي</STRONG>
قبل سفري لم اكن ارغب في ابلاغ والدي ان مدة سفري ستصل الى عدة سنوات مراعاة لمشاعره وبسبب حبه لي وخصوصا اني اصغر ابناءه فذكرت له ان سفري سيستمر لعده شهور وفيما بعد ساذكر له اني سأمدد عدة شهور اخرى وهكذا الى ان يتعود على الوضع تدريجياً, في البداية تضايق من خبر سفري ولكن مع الوقت اقتنع بالفكره وكان كل شيئ على مايرام</STRONG>
في يوم سفري جلس معي وكان على غير العادة وما أن تحدثت اليه حتى أجهش بالبكاء الى درجة انه لم يعد يستطيع ان يتنفس وبحكم معرفتي بوالدي انه صبور جدا ولا يتأثر بسهوله ولم يبك قط حتى عندما توفي اخوتي الاثنين الذين ادركتم لم تنزل منه دمعه واحده وحتى عندما توفيت والدتي رحمها الله قبل تسع سنوات كان صابرا محتسباً لم تحرك فيه كل هذه الاحداث شعره, بعد هذا المنظر قررت ان استخير الله وألغي سفري ولكن من حولي أقنعوني بان أسافر وان هذا الأمر طبيعي وسيتعود مع الوقت وأن مكالماتي له بالتلفون ستقلل الكثير من هذا الحزن وقاموا بتهدئة والدي واقناعه حتى هدأ وعاد طبيعياً واستقر وضعه, ارتحت قليلاً وفي المساء سافرت.</STRONG>
بعد ان فسر الأخ الرؤيا بعد سفري قلقت كثيرا من تفسير الجزء الاول من الرؤيا فاخذت اجازه ورجعت للسعوديه.</STRONG>
بعد ان وصلت الى والدي وجدته يتمتع بصحه جيده وكان فرحاً بعودتي وذكرت له اني ساعود بضع شهور اخرى ثم ارجع له مره اخرى.</STRONG>
ومكثت معه الى قبل شهر رمضان قبل الماضي وفي ليلة سفري والعوده قام من نومه على غير العاده وكان الوقت متأخر ورحلتي كانت قبل الفجر فسأل عني فتعجبت لأني قد ودعته قبل ان ينام</STRONG>
ناداني وقال لي (اوصيك بطاعة الله) فقط هذي الكلمتين وكانت اخر كلمتين يقولها لي فقبلت رأسه وذهب الى فراشه الى ان حان موعد رحلتي ثم سافرت.</STRONG>
وبعد رمضان وفي منتصف شهر شوال أتاني اتصال في ساعة مبكرة على غير العادة</STRONG>
رديت على المكالمة فكان أحد اوختي يطلب مني أن أحضر لأن والدي مريض</STRONG>
فقلت له ماذا حدث له؟</STRONG>
قال لي لقد توفي</STRONG>
وقع علي الخبر كالصاعقة</STRONG>
تمالكت نفسي في لحظتها وأول ماتبادر الى ذهني مباشرةً سؤال</STRONG>
قلت لها هل صدمته سياره؟</STRONG>
لأني توقعت انه قد صدمته سياره وهو ذاهب الى المسجد ولأني على اتصال بهم بصفه مستمره ولم يكن يشتكي من اي مرض</STRONG>
قال لي لم تصدمه سياره وكان البارحه معنا بعد الصلاه المغرب بكامل صحته وقد تناول معنا القهوه الى ان صلى صلاة العشاء في المسجد</STRONG>
قلت له
اذاً ماذا حدث
قال لي
لقد وجدناه متوفى وهو ساجد في مصلاة المعتاد اخر الليل</STRONG>
وكانت أكمام ثوبه لاتزال مطوية رطبة من جرّاء الوضوء
شعرت بعدها بشعور غريب</STRONG>
أقرب الى الفرح منه الى الحزن
لم تنزل مني دمعه واحده</STRONG>
اغلقت الخط ومن حسن الحظ ان في ذلك اليوم رحلة سوف تتجه الى الرياض</STRONG>
أخذت اغراض وتوجهت الى المطار ووصلت في المساء</STRONG>
بطبيعة الحال لم اتمكن من الصلاة عليه او دفنه فقد تمت الصلاه عليه وقت صلاة الظهر </STRONG>
وصلت الى البيت وقد غادر اغلب المعزين لان الوقت متأخر </STRONG>
ذهبت الى المكان الذي توفي فيه لأني اعرفه جيدا</STRONG>
لم تدمع عيني</STRONG>
ولم أبكي</STRONG>
بعد ان تأخر الوقت الكل ذهب الى فراشه </STRONG>
لم اتمكن من النوم</STRONG>
وفي حدود الساعه الثالثه فجرا قررت ان اذهب الى غرفته</STRONG>
وبعد ان دخلتها وجدت ريحته في كل مكان</STRONG>
جميع اغراضه على ماهي عليه</STRONG>
ومع ذلك لم تستطع ان تخرج دمعه واحد من عيني</STRONG>
وفي تمام الساعه 3.20 فجراً وبينما انا جالس اتأمل اغراضه في الغرفه</STRONG>
سمعت صوت جعلني ابكي لا ارادياً وبحرقه</STRONG>
صوت تعودت ان اسمعه في هذا الغرفه كل ليله
لقد اشتغل المنبه الذي كان يضعه عند رأسه ليوقظه لصلاة التهجد اخر الليل
اشتغل وشغل كل حواسي معه
اشتغل المنبه وهو لايدري ان صاحبه قد فارقه
اشتغل ليوقظه وهو لايعلم ان رفيق دربه قد نام نوم عميق لن توقظه منبهات الارض مجتمعه
تركت المنبه يعمل ولم اقفله
هذا المنبه قبل اربع وعشرين ساعه هو نفسه الذي ايقظ والدي من نومه ولم يعلم انها اخر مره يوقظه فيها
كان الوقت الذي امضاه المنبه وهو يعمل طويلا جدا
لأن والدي كان لايتركه اكثر من عشر ثواني ثم يغلقه ويذهب ليتوضئ
لكن هذه المره اطال المنبه في الرنين
وكأني به يتعجب انه اخذ وقت طويل وصاحبه لم يمد يده عليه ليغلقه كالعاده
بعدها اغلقت المنبه وتركته ينام نوم عميق كنوم رفيق دربه
.........
رحمك الله ياوالدي </STRONG>
افتقدتك وافتقدت معك دعواتك الي كانت تيسر كل أمر في حياتي بعد توفيق الله</STRONG>
رحم الله والدتي التي افتقدها ايضاً وافتقدت حنانها</STRONG>
رحم الله جميع أموات المسلمين</STRONG>
قد لايهتم بعض الأخوة بهذه القصة ولكني شعرت بحاجة لكتابتها لكم لعلّ من يقرأها يدعو لوالدي وللمسلمين</STRONG>
.......</STRONG>
منقول